هدف البحث إلى مقارنة محتوى مياسم كل من الزعفران المزروع Crocus sativus L. والزعفران البري (الحلبي) Crocus aleppicus B. المنتشر برياً في بعض مناطق سورية من ثلاث مركبات فعالة (الكروسين والبيكروكروسين والسافرنال) باستخدام جهاز المطياف الضوئيUV- Vis spectrophotometer، بالإضافة للمقارنة بينهما من حيث محتوى الكروسين والسافرنال وذلك باستعمال تقنية الكروماتوغرافيا السائلة عالية الأداء(HPLC). أظهرت النتائج تفوق الزعفران المزروع على البري (الحلبي) من حيث محتوى المياسم من المركبات الفعالة باستخدام جهاز المطياف الضوئي، حيث بلغت الامتصاصية الضوئية لمحلول 1% من المادة المدروسة (199.14، 77.20 و33.55) لكل من الكروسين، البيكروكروسين والسافرنال على التتالي في النوع المزروع في حين بلغت (96.77، 55.05 و17.20) في النوع البري. أما باستخدام تقنية الكروماتوغرافيا السائلة عالية الأداء، فقد بلغ تركيز الكروسين في مياسم النوع المزروع (49.38 ± 0.89 مغ.غ-1) وبسبب التركيز المرتفع للكروسين في عينات الزعفران المزروع فقد تمّ التمديد حتى 90% مما جعل تركيز السافرنال منخفض وغير محسوس، أما في الزعفران الحلبي فقد تعذرت حساسية كشف الجهاز عن تحديد تراكيز الكروسين والسافرنال وحسابها، مع وجود قمم كبيرة عند أزمنة مختلفة، مما يدل على إمكانية وجود مركبات كيميائية جديدة مختلفة في هذا النوع البري (الحلبي) من الزعفران قد يكون لها أهمية طبية أو تجميلية.
المقدمة Introduction:
تعتبر الفصيلة السوسنية Iridaceae واحدة من أغنى الفصائل النباتية بالأنواع والأكثر انتشاراً في العالم، وتضم قرابة 1800 نوع تتوزع في 65- 75 جنساً، وينتشر الجنس Crocus sp. الذي ينتمي لهذه الفصيلة في كل من آسيا، أوروبا وشمال افريقيا ( Goldblatt et al., 2008)، ويضم نحو 80 نوعاً برياً (Vurdu and Güney, 2004)، بالإضافة للزعفران المزروع Crocus sativus L.، كما تزرع العديد من أنواعه مثل C. tommasinianus وC. Vernus وC. Chrysanthus كنباتات زينة، ولبعضها الآخر استعمالات وفوائد طبية (Kandemir et al., 2012). الزعفران الحلبي Crocus aleppicus B. أحد الأنواع البرية التي تنتمي للجنس sp. Crocus، وينتشر برياً في بلاد الشام، ويتميز بكورمة بيضاوية قطرها 1.5 سم، ذات أغلفة بنية مخططة بعروق متوازية، ويتراوح عدد أوراقه بين 4 و7 أوراق، كما يتميز بأنبوبة زهرية بأطوال مختلفة وبتلات ذات قمة متضيقة، وعرضها 5-7مم، بيضاء اللون معرقة كثيراً أو قليلاً بلون أزرق قاتم وتكون أحياناً برتقالية اللون قليلاً في قاعدة البتلة، أمّا الأسدية فهي عبارة عن خيوط طويلة نوعاً ما، تحمل مآبر مصفرة اللون، المياسم برتقالية اللون متفرعة في شرائط خيطية أقصر من المآبر والثمرة كبسولة بيضوية (الشكل 1).
يزهر الزعفران الحلبي أواخر شهر تشرين الأول وحتى شهر كانون الثاني، وينتشر في سورية (سلسلة جبال لبنان الشرقية، وادي القرن، قارة، حوران، السويداء، حلب)، بالإضافة لانتشاره في كل من لبنان وفلسطين (Mouterde, 1966 ). أما الزعفران المزروع Crocus sativus L. فهو صنف عقيم له كورمات ترابية ذات قوام لحمي، يتراوح قطر هذه الكورمات بين 3 و5 سم مغطاة بحراشف، وتنتج كل كورمة 6-9 أوراق ذات شكل عشبي ولون أخضر داكن يتوسطها شريط أبيض اللون، ويمتد الإزهار من أواخر الخريف وحتى كانون الأول، وذلك حسب الظروف المناخية. تنتج كل كورمة من 1-3 أزهار بنفسجية اللون لها ستة تبلات متشابهة، والزهرة في الزعفران ثنائية الجنس، المبيض ذو شكل أنبوبي والقلم رفيع وطويل وذو لون أصفر شاحب يتفرع إلى مياسم متفرعة الى ثلاث فروع حمراء برتقالية اللون طولها بين 20-35 مم، والمياسم الجافة هي مصدر التابل التجاري، الأجزاء الذكرية عبارة عن ثلاثة أسدية واضحة والزهرة عقيمة، حيث أن الكورمات هي المسؤولة عن الإكثار في الزعفران المزروع (Deo, 2003 )، (الشكل2).
يعود استعمال الزعفران إلى العصور القديمة، حيث يستخدم غالبا في الطب الشعبي، وفي الصبغات الطبيعية، وكتابل في الصناعات الغذائية (Zhang et al., 1994)، وتشير الدراسات إلى كون مياسم أزهار الجنس Crocus تحتوي بشكل رئيسي على ثلاث مركبات فعالة هي الكروسين Crocin، البيكروكروسين Picrocrocin، والسافرنال Safranal، المسؤولة عن اللون والطعم والرائحة على التوالي (Yildirim, 2007). للبيكروكروسين تأثير مهدئ ضد التشنجات الهضمية (Giaccio, 1990)، ويعتبر أيضاً مضاد أكسدة حيث يعمل ضد إجهادات الأكسدة في الخلايا العصبية (Karimi, 2001)، ومستخلصات الكروسين لها استعمالات في معالجة أمراض الجهاز الدوراني وجهاز التنفس (Abe and Saito, 2000). وأظهرت بعض الابحاث أن مستخلصات الزعفران يمكن أن تكون ذات تأثير ايجابي محتمل ضد بعض أنواع السرطان (Abdullaev and Espinosa-Aguirre, 2003).
التركيب الكيميائي للزعفران:
يُظهر التحليل الكيميائي وجود أكثر من 150 مركّب في مياسم الزعفران المزروع تتوزع بين (63 %) الكربوهيدرات المحبة للماء والكربوهيدرات المحبة للدهون، البروتين (12 %) أحماض أمينية، معادن (5 %) (كالسيوم، بوتاسيوم، صوديوم، زنك، فوسفات ومنغنيز)، إضافةً لوجود كميات قليلة جداً من الفيتامينات (وخاصة الريبوفلافين والتيامين)، أصبغة (ألفا وبيتا كاروتين، الأنثوسيانين، الليكوبين الفلافونيدات والكزانثوسيانين) وقلويدات وسابونين. تتمثل المركبات الأكثر أهمية بشكل أساسي بثلاث مركبات رئيسية هي الكروسين، البيكروكروسين، والسافرنال وهي مسؤولة بشكل مباشر عن اللون، الطعم والرائحة الخاصة بالزعفران على التوالي (Shahi et al., 2016).
صفات المركبات الكيميائية الرئيسية:
المركبات الرئيسية الفعالة حيوياً في الزعفران هي أقران الكروسين والتي تشمل الكروسين 1 و2 و3 و4 والتي تعتبر جميعها غليكوزيدات من كروسيتين المفروق (glycosides of trans-crocetin) وهي مشتقات كاروتونوئيدية.
ويعتبر تركيز هذه المركبات الثلاث في المياسم الجافة أهم المعايير المستخدمة في تحديد نوعية وجودة الزعفران، وهي التي تحدد سعر الزعفران في الأسواق العالمية (Kanakis et al., 2004). إن تركيز المركبات الفعالة في مياسم الزعفران تتأثر بشكل كبير بظروف الزراعة وبلد المنشأ (Melnyk et al., 2010)، كما وتتأثر كمية هذه المركبات بعدة عوامل كطريقة التجفيف المتبعة للمياسم، طريقة الاستخلاص، الطريقة المتبعة في تحديد كميتها وتركيزها في المياسم (Giorgi et al., 2017). هناك العديد من الطرائق لاستخلاص المواد الفعالة في الزعفران مثل النقع، الهضم، الاستخلاص بالغلي، الترشيح، الاستخلاص الساخن المستمر، الاستخلاص بمساعدة موجات المايكروييف والاستخلاص بمساعدة الأمواج فوق الصوتية، والاختلاف الأساسي بين هذه الطرائق نوع المذيبات المستخدمة، زمن ودرجة حرارة الاستخلاص أو استعمال تقنيات حديثة (المايكروييف، الأمواج فوق الصوتية والأنزيمات)، ومن بين الطرائق المذكورة، فإن الاستخلاص باستعمال المذيبات القطبية يعتبر الأكثر اقتصادية، بسبب انخفاض سعرها وسهولة تطبيقها (Gazerani et al., 2013). وتستعمل طرائق عديدة لتحديد كمية هذه المركبات في مياسم الزعفران مثل الامتصاصية الضوئية باستعمال مقياس الطيف الضوئي (spectrophotometer)، الكروماتوغرافيا الغازية (GC)، كروماتوغرافيا الطبقة الرقيقة (TLC)، وغيرها (Tarantilis, 1997)، لكن بعض هذه الطرائق غير دقيقة (فاستخدام مقياس الطيف الضوئي مثلاً طريقة غير دقيقة في تقدير تركيز السافرنال لأن انحلالية السافرنال في الماء ضعيفة، وقد يحدث تداخل لقراءة مركبات أخرى على طول الموجة الخاصة به، (Bononi et al., 2015))، أو ذات تكلفة عالية وتأخذ وقتاً طويلاً (Alonso et al., 2001). من ناحية أخرى تعتبر تقنية الكروماتوغرافيا السائلة عالية الأداء (HPLC) التقنية الأكثر شيوعاً في فصل المركّبات، حيث تستخدم هذه التقنية في تقييم أكثر من 65% من المواد الفعالة في النباتات حول العالم (Boligon and Athayde, 2014).
هدف البحث: تكمن أهمية هذا البحث في المقارنة للمرة الأولى بين محتوى مياسم كل من الزعفران المزروع والزعفران البري (الحلبي) من المركّبات الفعالة الأساسية، حيث لا يوجد حتى الآن أبحاث تتعلق بتحديد تركيز المركبات الفعالة في مياسم النوع Crocus aleppicus لا محلياً ولا عالمياً.
المواد والطّرائق Materials and Methods
تمّ تحديد تركيز المركّبات الفعالة الأساسية في الزعفران (الكروسين والبيكروكروسين والسافرنال) وذلك بوساطة جهاز المطياف الضوئي ((Spectrophotometer على أطوال الموجات التالية 440 نانو متر لتحديد تركيز الكروسين، ثم على طول موجة 330 نانو متر لقياس تركيز السافرنال، ثم على طول موجة 257 نانو متر لقياس تركيز البيكركروسين، وذلك وفق المواصفات القياسية العالمية الإيزو(2014) في مخبر التقانات الحيوية النباتية /الهيئة العامة للتقانة الحيوية. حيث طحنت العينات بجهاز الطحن الكهربائي، ثم أخذ 500 مغ من عيّنات الزعفران الجافة والمطحونة ووضعت في قوارير(سعة 1000 مل)عقيمة وأضيف لها 900 مل من الماء المقطر، ثم وضعت القوارير على جهاز التحريك المغناطيسي لمدة ساعة، ثم أكمل الحجم إلى 1000 مل باستخدام الماء المقطر، تم أخذ 20 مل من المحلول، ومن ثم تمديده بالماء المقطر للوصول إلى 200مل، ثم وضعت القوارير في الظلام لمدة 24ساعة مع الرج المستمر (150 دورة/ د)، رُشحت المحاليل المستحصل عليها باستعمال المرشح (0.25 µm) (MILLEX GP)، ثم تم قياس الامتصاصية باستخدام مقياس الطيف الضوئي حسب طول الموجة لكل مادة فعالة (440 نانومتر للكروسين، 330 نانومتر للسافرنال، و257 نانو متر للبيكروكروسين) تم تكرار ثلاث قراءات لكل عينة مع مراعاة وجود خلية الشاهد التي تحوي على الماء المقطر. (2014 ISO 3236-2-)
أخضعت القراءات السابقة للمعادلة التالية:
(m*(100-H) /(D*10000) =E 1% )
حيث: E 1%: الامتصاصية لمحلول تركيزه 1%، D: قراءة الجهاز عند طول الموجة الخاصة بكل مادة فعالة، m: وزن عينة المياسم المستخدمة (غ)، H: نسبة الرطوبة في عينة المياسم.
حددت نسبة الرطوبة في العينة وذلك بأخذ 2.5±0.001غ من المياسم المخصصة للتحليل ووضعها بجفنة ووزنها ومن ثم إدخالها إلى فرن على درجة حرارة 103˚ C ولمدة 16 ساعة (Ebrahimzadeharvanaghi and Arkun, 2018)، ومن ثم إخراجها ووزنها وتحسب الرطوبة وفق التالي، بعدها يتم حساب الرطوبة وفق المعادلة التالية:
H=(m0-m1)*(100/m0)% حيث: m0 وزن العينة قيل الإدخال إلى للفرن، m1 وزن العينة بعد الإخراج من الفرن وثبات الوزن. لتحديد الجودة تم مقارنة الناتج من تطبيق المعادلة السابقة بالأرقام السابقة بالأرقام القياسية الموضوعة من قبل المنظمة العالمية لتصنيف الجودة (ISO).
أُخذ 15 مغ من مياسم الزعفران المجففة والمطحونة لكل من نوعي الزعفران المدروسين، ونُقعت في 10 مل من محلول (الميتانول: ماء) (50:50، V:V) واستخلصت بالاستعانة بجهاز التحريك المغناطيسي مدة 24 ساعة في الظلام، ومن ثمّ رُشحت المحاليل المستحصل عليها باستعمال المرشح (0.25 µm) (MILLEX GP)، وحُفظت في الثلاجة على درجة حرارة 4ْم لحين إجراء تحليل الكروماتوغرافيا السائلة عالية الأداء (HPLC).
رُسم منحنى المعايرة الخاص بكل من الكروسين والسافرنال الشكل (4)، باستعمال تراكيز محددة ومعروفة من العياريات النقية (Sigma-Aldrich) الخاصة بكل منهما (250، 500، 740 و1000) ppm للكروسين، و(50، 100، 250، 500 و740) ppm للسافرنال، وذلك لتحديد تركيز هاتين المادتين في المستخلصات الكحولية لكل منهما.
النتائج والمناقشة Results and Discussion:
يبين الجدول (2) نسبة (الكروسين، البيكروكروسين، السافرنال) في كلا النوعين المدروسين حسب معادلة (ISO 3236-2-2014)، حيث يظهر بوضوح ارتفاع نسبة كل من الكروسين والبيكروكروسين في مياسم الزعفران المزروع وتطابقها مع المواصفات القياسية العالمية مقارنة مع النوع الحلبي الذي انخفضت فيه نسبة المادتين السابقتين مقارنة مع النوع المزروع وارتفعت فيه نسبة السافرنال، وانخفاض نسبة المواد الثلاث في الزعفران الحلبي بشكل عام مقارنة مع المواصفات القياسية العالمية.
الجدول (2): مقارنة نسبة المواد الفعالة في كل من نوعي الزعفران المدروسين حسب (ISO 3236-2-2014)
يبين الشكلان (5 و6) كروماتوغرامات نوعي الزعفران المدروسين عند طولي الموجة 440 نانومتر للكروسين و330 نانومتر للسافرنال. حُسب تركيز كل من الكروسين والسافرنال عن طريق قياس ارتفاع القمة الأعظمية في كل من العينات والعياريات في العينات المدروسة حيث بلغ تركيز الكروسين في مياسم النوع المزروع (49.38 ± 0.89 مغ.غ-1) بينما كان تركيز السافرنال غير محسوس بسبب نسبة التمديد العالية لعينات الزعفران المزروع والتي وصلت إلى 90% لارتفاع تركيز الكروسين في هذه العينات، بينما تعذرت حساسية كشف الجهاز من تعيين تراكيز الكروسين والسافرنال وحسابها، لصغر القمم والمساحات التابعة لهذين المركبين. يكتسب التحليل الكيميائي للمواد الفعالة في الزعفران اليوم أهمية كبيرة، ويلقى اهتماما متزايدا، وذلك بسبب الدور العلاجي الواعد لهذه المواد في العديد من الأمراض (Bukhari et al., 2014). بينت الدراسات الكيميائية أن نسبة الكروسين في مياسم الزعفران المزروع حول العالم تتراوح بين 0.85-32.4% من الوزن الجاف (Alonso et al., 2001)، وإن التباين في نسبة هذا المكون بين مجمعات الزعفران المختلفة في العالم تم دعمه وتأكيده في دراسات أخرى (caballero et al., 2007). بينما بلغ تركيز الكروسين بلغ 67.3 مغ.غ-1 والسافرنال 8 مغ.غ-1 لنوع الزعفران المزروع C. sativus والمجموع من مناطق مختلفة في الهند (Sujata et al., 1992)، وفي دراسة أجراها Bukhari وزملاؤه (2014) على عينات من مياسم الزعفران المزروع في 17 منطقة في الهند باستعمال تقنية الكروماتوغرافيا السائلة عالية الدقة (HPLC)، تراوح تركيز الكروسين بين 30.74-79.8 مغ.غ-1 ، في حين ترواح تركيز السافرنال بين 0.13-0.92 مغ.غ-1.
يمكن تفسير الاختلاف في تركيز المركبات الفعالة بين النوعين المزروع والبري بعدة نقاط:
الاستنتاجات Conclusions:
المقترحات Suggestions: