المقدمة: تلعب التغذية دوراً هاماً في توفير العناصر الأساسية اللازمة لعملية الابتناء أثناء مراحل النمو عند الأطفال، سواءً كان ذلك بتأمين المغذيات الكبرى macronutrients مثل البروتينات والسكاكر الدسم أو المغذيات الصغرى micronutrients كالمعادن والفيتامينات، وأحد أهم هذه المغذيات الصغرى هو الكولين ومستقلبه البيتائين اللذان يشكلان عنصران من مسلك استقلاب مجموعة وحيدة الكربون one carbon metabolism،يمثل البيض أحد أهم هذه الأغذية وأكثرها شيوعاً ووفرة، ويعتبر مصدراً هاماً للعديد من المغذيات الكبرى والدقيقة بما فيها الكولين، كما تؤكد العديد من الدراسات على أهمية الاعتماد عليه في التغذية التكميلية بمراحل مبكرة.
قمنا بدراستنا بتحري تأثير نمط التغذية وخاصة تواتر تناول البيض على النمو لدى مجموعة أطفال سوريين وعلى توافر عناصر مسلك استقلاب مجموعة وحيدة الكربون المتمثل منها بالكولين والبيتائين. وجدنا ارتباط بين زيادة تناول البيض لدى الأطفال السوريين وزيادة النمو الطولي، كما لوحظ زيادة مستويات الكولين لدى الأطفال عندما كان تناول البيض بشكل شبه يومي (أكثر من 3 بيضات أسبوعياً) في حين لم تتأثر مستويات البيتائين.
المواد والطرائق: تمَّ إجراء دراسة مقطعية عرضية cross-sectional study على 344 من الأطفال السوريين بأعمار 1- 5 سنوات، وقد تمَّ اجراء استبيان لتحري طبيعة المتناول الغذائي وتواتر تناول البيض، كما أجريت لهم قياسات بشرية، وترافق ذلك مع أخذ عينات دموية لتحري المستويات البلازمية للكولين والبيتائين الذي تمّ باستخدام تقنية الاستشراب السائل العالي الأداء المقترن بمقياس الطيف الكتلوي الترادفي Ultra-high performance liquid chromatography tandem mass spectrometry.
النتائج: ترافق زيادة تناول البيض مع زيادة في النمو الطولي HAZ (الطول بالنسبة للعمر Height-for—age z score) لدى الأطفال وخاصة عند كون المتناول بيضتين فأكثر أسبوعياً، كما ترافق زيادة المتناول من البيض مع ارتفاع في مستويات الكولين البلازمية لدى الأطفال اللذين كان لديهم متناول بيض أكثر من ثلاث بيضات اسبوعياً أو بشكل شبه يومي، وذلك دون ارتفاع في مستويات البيتائين البلازمية.
الاستنتاجات: إن زيادة تناول البيض تدعم النمو لدى الأطفال وخاصة النمو الطولي والوزني، حيث ترافق زيادة المتناول من البيض مع ارتفاع مناسب النمو الطولي (HAZ)، كما ترافق ذلك مع ارتفاع الكولين لدى الأطفال مع زيادة تناول البيض بشكل شبه يومي، ويدعم ذلك أهمية البيض كمصدر غذائي غني بالمغذيات والتي من أهمها الكولين الذي يساهم في دعم النمو.
المقدمة Introduction
يعتبر النمو سمة مميزة لمرحلة الطفولة وصولاً لسن البلوغ، وتؤثر العديد من السبل الحيوية على النمو المبكر، كما يؤثر في ذلك كفاية المتناول الغذائي واستقلاب المغذيات الأساسية [1]. يعدُّ التقزّم stunting وهو فشل في النمو الطولي، أحد أهم اضطرابات النمو الناتجة عن سوء التغذية المزمن، ويعرّف وفقاً لمنظمة الصحة العالمية بأنّه انخفاض الطول بالنسبة للعمر Height-for-age z score HAZ بمعدّل اقل من انحرافين معياريين (HAZ < -2 SD) وذلك حسب مقاييس ومخططات منظمة الصحة العالمية [2]، ويعتبر أفضل مؤشّر إجمالي حول سوء التغذية المزمن لدى الأطفال وخاصة بعمر أقل من خمس سنوات. وهو ظاهرة واسعة الانتشار حيث يشير أحدث تقرير لمنظمة الأغذية العالمية إلى ارتفاع نسبته في سوريا عام 2022 إلى 27.9% [3] وعالمياً 22% [4]، في حين كانت النسبة وفق إحصائية رسمية للمكتب المركزي للإحصاء عام 2009 لا تتجاوز 23.3% في سوريا [5] وعالمياً كانت نسبة التقزّم 24.8% أي كان من بين كل أربع أطفال هناك طفل واحد متقزّم [6]. يملك التقزّم العديد من النتائج السلبية على الفرد والمجتمع، وتأخر النمو الإدراكي والنفسي، وارتفاع خطورة الوفيات لدى الأطفال، وارتفاع معدّل الإصابة بالأمراض التنكسية والمزمنة بعد البلوغ، وانخفاض الناتج الاقتصادي على مستوى المجتمع [7].
يعتبر الكولين أحد أهم المغذيات الدقيقة الأساسية، فهو ضروري لعمليات التخليق الحيوي للفوسفولبيدات، واصطناع وسلامة الأغشية الخلوية، وكذلك تصنيع الأستيل كولين الناقل العصبي الهام لعمل الجملة العصبية المركزية. كذلك يتحول الكولين إلى البيتائين وهو بدوره ذو أهمية كمعطٍ للمثيل في مسلك استقلاب مجموعة الكربون الوحيد one-carbon metabolism، حيث يقوم بمثيلة الهوموسيستئين ليتحول إلى الميثيونين وبدوره إلى S -أدينوزيل الميثيونين S-adenosyl methionine SAM وهو المعطي العام للمثيل، وذلك ضمن تفاعلات مثيلة لطيف واسع من الركائز الحيوية الهامة مثل الـ DNA, RNA, والبروتينات والدسم. كما يلعب البيتائين دور حليلة osmolyte [8]. وتشير العديد من الدراسات إلى أهمية الكولين في النمو لدى الأطفال، فقد ترافقت مستويات الكولين المرتفعة مع تحسّن في النمو في دراسات متعددة [9], [10], [11]، وبالرغم من أنّ الكولين يتم تصنيعه بشكل متجدد de novo داخل جسم الإنسان، إلا هذا التصنيع لا يلبي حاجات الجسم، ليجعل ذلك من الكولين أحد المكونات الأساسية الواجب توفيرها في الغذاء [12], [13]، ويقدّر المتناول الكافي اليومي أو الجرعة الموصى بها (Adequate Intake AI) 200 ملغ/اليوم للأطفال بعمر1 – 3 سنوات و250 ملغ/اليوم للأطفال بعمر 4 – 8 سنوات [14]، وتتراوح القيم البلازمية المرجعية للكولين ما بين 7 – 20 μmol/L [15].
تعتبر الأغذية الحيوانية من أكثر المصادر الغذائية غنىً بالكولين وبشكل خاص: الكبد (399 ملغ/100غ)، البيض (225 ملغ/100غ)، اللحوم (100 ملغ/100غ لحم الخروف)، ومن المصادر النباتية الغنية بالكولين جنين القمح wheat germ، وفول الصويا المجففة والحمّص (42.8 ملغ/100غ) [15]. لذا يعتبر البيض أحد أغنى المصادر الغذائية بالكولين (بيض الدجاج باعتباره أكثر شيوعاً) وهو يمثل كغيره من الأغذية كالحليب والحبوب أحد أهم مصادر التغذية الشاملة، ويساهم بدعم النمو والتطور لدى الأطفال، ويعدّ مصدراً غذائياً مركزّاً، وبالإضافة إلى الكولين هو أهم وأكثر المصادر الغذائية غنى بالمغذيات الدقيقة والكبرى الضرورية للنمو [16]. تشير أدلة من الدول ذات الدخل المرتفع إلى أنَّ إدخال البيض في التغذية بمراحل الرضاعة لم يساهم في ارتفاع الحساسية والتحسس للبيض بعكس ما كان هو معتقد، مما يشير إلى إمكانية إدخاله في نظام التغذية بأعمار مبكرة تصل لـ 6 أشهر خلافاً للتوصيات السابقة التي كانت توصي بتأخير إدخاله بالنظام الغذائي إلى ما بعد عمر السنتين [16]. تضاربت نتائج العديد من التجارب السريرية حول تأثير البيض على النمو، فقد أشارت تجربة سريرية عشوائية Randomized clinical trial RCT في الإكوادور إلى زيادة في النمو الطولي لدى الأطفال عند تناول البيض (بيضة واحدة يومياً لمدة ستة أشهر) وارتفعت معه مستويات الكولين البلازمية [9], [16] في حين لم تظهر نفس النتيجة لدى ادخال البيض في التغذية لدى الأطفال عند إجراء تجربة سريرية مماثلة في مالاوي [17], [18], [19].
افترضنا في دراستنا المقطعية cross-sectional study أنّ زيادة المتناول الغذائي من البيض قد يترافق مع ارتفاع مستويات الكولين البلازمية لدى الأطفال، مما قد يحسّن النمو وخاصة النمو الطولي، لذا كان الهدف من الدراسة التحري عن تأثير زيادة تواتر المتناول من البيض على النمو وتوافر الكولين لدى أطفال الدراسة.
المواد والطرق Materials and Methods
كان نمط الدراسة مقطعية cross-sectional study، حيث شملت الدراسة 344 طفلاً، تمّ اختيارهم بشكل عشوائي من المراجعين لثلاثة مراكز صحية، يقع مركزان منهما ضمن مدينة دمشق ويتبعان لجمعية تنظيم الأسرة السورية Syrian Family Planning Association SFPA، أمَّا المركز الثالث فهو ضمن العيادات الشاملة الحكومية بمدينة حماه. تمت عملية الاعتيان خلال الفترة الواقعة بين حزيران 2020 وشباط 2021. وقد حاز البحث مسبقاً خلال تسجيله على موافقة اللجنة الأخلاقية في جامعة دمشق (رقم 10 أ.خ تاريخ 23/7/2019)، وتضمنت معايير الاشتمال لأطفال الدراسة inclusion criteria: أن يكون الطفل بعمر ما بين 1-5 سنوات، ويتمتع بصحة جيدة ظاهرياً. أمّا معايير الاستبعاد exclusion criteria فتضمنت: وجود مرض حاد أو مزمن مشخّص أثناء الاعتيان، كالتهاب اللوزتين أو اسهال حاد أو ترفع حروري، أو اضطراب هرموني. وقد تمَّ الحصول على الموافقة المستنيرة من ذوي الطفل لدى قبول الطفل في الدراسة، كما تم إجراء استبيان يتضمن البيانات التفصيلية من ذوي الأطفال التي شملت معلومات مفصَّلة حول تاريخ الحمل وظروفه كطول فترة الحمل وطبيعة تغذية الأم أثنائه وطبيعة الولادة (طبيعية أو قيصرية)، وظروف الرضاعة من حيث كونها طبيعية أو صنعية وفترة استمرارها، وتغذية الطفل من حيث شهيته وتواتر الوجبات وطبيعتها وكان التركيز من الناحية التغذوية على تواتر المتناول من البيض أسبوعياً، كما تمّ الاستفسار حول التاريخ الطبي للطفل، وإصابته بالعدوى وتواترها، بالإضافة إلى معلومات تفصيلية حول الخلفية الاجتماعية والاقتصادية كظروف السكن والدخل التقريبي للعائلة، والمستوى التعليمي للأبوين، وقياسات الطول والوزن للأم بشكل خاص. تبع ذلك إجراء القياسات البشرية anthropometric measurements التي شملت الطول مقدرّاً بالسنتيمتر cm مقرباً لأقرب فاصلة عشرية 0.1 وباستخدام لوح خاص سواء الطول مستلقياً recumbent height للأطفال تحت السنتين، أو الطول واقفاً standing height للأطفال أكبر من سنتين، وتم قياس الوزن باستخدام ميزان رقمي مقدّراً بالكيلوغرام kg مقرّباً لأقرب فاصلة عشرية 0.1، كما تمّ قياس محيط أعلى منتصف الذراع MUAC Middle Upper Arm Circumference بالسنتيمتر ومحيط الرأس، وبعد العودة لمخططات النمو المعتمدة من قبل منظمة الصحة العالمية WHO [2] تمَّ استخراج مناسب النمو لدى أطفال الدراسة المتمثلة بالطول بالنسبة للعمر HAZ Height-for-age z score والوزن بالنسبة للعمر WAZ Weight-for-age z score والوزن بالنسبة للطول WHZ Weight-for-height z score ومشعر كتلة الجسم Body Mass Index BMI.
تبع ذلك سحب عينة دموية عشوائية على انابيب تحوي مضاد تخثّر EDTA، تبعه تثفيل العينة للحصول على البلازما وفصلها وتقسيمها إلى قسائم aliquots وحفظها في المجمدة -80 لحين إجراء المقايسات، حيث تم شحن قسيمات البلازمة وفي ظروف شحن بالتبريد إلى المخبر البحثي في المشفى الجامعي لجامعة السارلاند بألمانيا.
مقايسة الكولين والبيتائين Choline and Betaine assay:
كان عدد العينات الكافية والصالحة لإجراء المقايسات 333 عينة، حيث استُخدِمَت لقياس الكولين والبيتائين تقنية الاستشراب السائل العالي الأداء المقترن بمطياف الكتلة الرباعي الأقطاب (UPLC-MS/MS, Waters Corporation, Milford, MA, USA) حيث تم وصف الطريقة بالتفصيل في نشرة علمية [20] وبشكل مقتضب: تمَّ تجريد بروتينات البلازما لحجم 100 μl من العينات والشواهد و7 عياريات لكل من الكولين (0، 0.3، 0.6، 1.5، 7.5، 15، 60) μmol/L وَالبيتائين (0، 0.5، 1، 2.5، 12.5، 25، 100) μmol/L، وذلك عن طريق إضافة 300 μl من الأسيتونتريل البارد cold acetonitrile الحاوي على كلور البيتائين d9 الموسوم d9-betaine chloride وَ كلور الكولين d9 الموسوم d9-choline chloride باعتبارها عياريات داخلية (Isotec, Sigma-Aldrich, Munich, Germany) بعد المزج تمَّ تثفيل العينات لمدة 5 دقائق بقوة 10000 x g ثمَّ نُقل السائل الطافي إلى قوارير زجاجية vials حيث تمت المقايسة باستخدام UPLC-MS/MS، تمّ فصل العينات على عمود Acquity UPLC BEH HILIC (أبعاده 100 ملم x 2.1 ملم: أبعاد الجزيئات 1.7 μm) وتمّ ضبط حرارة العمود على 30ْ [21].
الدراسة الإحصائية Statistical study:
بعد إجراء استبيان لكل طفل أدخلت البيانات في جداول على برنامج Microsoft Excel 365 ثمَّ استخدم برنامج الحزمة الإحصائية SPSS لإجراء كامل التحليل الإحصائي للبيانات، تم عرض البيانات باستخدام الوسيط والنسب المئوية (median, 10th, 90th percentiles) وذلك بالنسبة للمتغيرات المستمرة كالعمر والمتوسط ± SD الانحراف المعياري لقيم الكولين والبيتائين، أما بالنسبة للمتغيرات الفئوية كالجنس وفئات المتناول من البيض والتقزم فقد تمَّ عرضها بالعدد المطلق (n) والتواتر النسبي (%). استخدم فحص التوزع الطبيعي للمتغيرات المستمرة باستخدام اختبارKolmogorov‒Smirnov، لم تكن قيم الكولين والبيتائين تتبع التوزع الطبيعي، لذا تمّ استخدام القيم اللوغاريتمية لها Log10 في التحليل الإحصائي.
لقياس فرق تناول البيض وتأثيره على النمو قُسّم في البداية جميع أطفال الدراسة حسب تناول البيض إلى خمس مجموعات وذلك حسب عدد البيضات المتناولة عادةً خلال الأسبوع، وذلك وفق أي طريقة طهي كانت مستخدمة (سلق – قلي) إلى (< 1) أقل من بيضة أسبوعياً – (1) بيضة واحدة أسبوعياً – (2) بيضتان اسبوعياً – (3) ثلاث بيضات – (>3) أكثر من ثلاث بيضات أو بشكل شبه يومي). ثمَّ تمت مقارنة تأثير تناول البيض على النمو وفقاً لمجموعتي النمو الطولي (الأطفال المتقزمين- والأطفال غير المتقزمين).
كانت الاختبارات الإحصائية المستخدمة تحليل التباين وحيد الاتجاه ANOVA ومعامل الارتباط spearman، اعتبر مجال الثقة confidence interval مساوياً 95% وبقيمة دلالة إحصائية تكافئ a = 0.05 (P=0.05).
النتائج Results
بلغ عدد الأطفال المشاركين بالدراسة 344 (193 أنثى، 151 ذكر) تم اعتيانهم من ضمن عيادات الترصد التغذوي المرفقة بثلاثة مراكز صحية، كان أوّل مركزين يقعان في دمشق يتبعان لجمعية تنظيم الأسرة السورية SPFA حيث كان أوّل مركز يقع بحي الشاغور والمركز الآخر في حي باب مصلى، أمّا المركز الثالث فهو ضمن مجمّع العيادات الشاملة الحكومية بمدينة حماه (الجدول 1).
بعد ملء استبيان بالبيانات المطلوبة للدراسة وأخذ الموافقة المستنيرة، تمّ إجراء القياسات البشرية anthropometric measurements الكاملة للطفل (طول – وزن – محيط منتصف أعلى الذراع MUAC Middle Upper Arm Circumference – محيط الرأس) ثمَّ استنتاج مناسب النمو منها (الطول بالنسبة للعمر HAZ – الوزن بالنسبة للعمر WAZ – الوزن بالنسبة للطول WHZ – مشعر كتلة الجسم BMI) وذلك بعد العودة لمخططات النمو المعتمدة من قبل منظمة الصحة العالمية WHO (الجدول 2).
كان المتناول الغذائي لأطفال الدراسة متقارباً بالإجمال ويعتمد بشكل كبير على المصادر النباتية التي غالباً هي الحبوب والبقوليات مثل (الفول – الحمص – الفلافل – الخبز – الزعتر) وهي غالباً مصادر فقيرة بالنسبة لمحتواها من الكولين، أمّا بالنسبة للمصادر الغذائية الحيوانية مثل اللحوم الحمراء والدجاج والكبد والتي هي غنية بالكولين، فكان المتناول منها نادراً إن لم يكن معدوم غالباً وذلك بسبب كون غالبية الأطفال من بيئة فقيرة يضاف لذلك تردي الأوضاع الاقتصادية العامة خلال فترة إجراء الدراسة، لذلك كان هدف الدراسة تقصي دور اختلاف المتناول من البيض على النمو وتراكيز الكولين لدى أطفال الدراسة باعتباره مصدر غني بالكولين يمكن اعتماده كمشعر.
وفقاً لحالة التقزّم كان عدد الأطفال المتقزمين في الدراسة أي اللذين لديهم (HAZ <-2) هو 110 (32%) وهي نسبة مرتفعة بالمقارنة معدلات التقزّم stunting العالمية، وعدد الأطفال اللذين لديهم وزن (WAZ <-2) هو 56 (16.3 %). لدى السؤال اثناء إجراء الاستبيان من الأهل حول طبيعة المتناول الغذائي والعادات الغذائية للأطفال، كان التركيز حول المتناول الأسبوعي المعتاد للبيض، فكان السؤال ما هو عدد البيضات التي يتناولها الطفل عادةً خلال فترة أسبوع، بحيث قسّم الأطفال وفق ذلك إلى مجموعات كما في (الجدول 3). يمكن ملاحظة أنّ الأطفال اللذين يتناولون البيض بمقدار غير كافي (بيضة على الأكثر خلال الأسبوع) هو 173 (48.8%) أي أقل من النصف من مجمل أطفال الدراسة.
دراسة تأثير تناول البيض على النمو والقياسات البشرية anthropometric measurements:
لدى دراسة النمو الطولي تمّ تقسيمهم لمجموعتين وفقاً لحالة التقزّم stunting إلى:
مجموعة الأطفال المصابين بالتقزّم: كان لديهم الطول بالنسبة للعمر HAZ <-2، وعدد أطفال هذه المجموعة 110 (32%).
مجموعة الأطفال طبيعيّ النمو الطولي: جميع الأطفال اللذين كان لديهم HAZ > -2، حيث بلغ عددهم 234 (68%).
وتمّ تقسيم كل مجموعة منهم لشرائح وفقاً للمتناول من البيض كما يوضّح ذلك (الجدول 4)
إذا قسّمنا أطفال الدراسة وفقاً لتناول البيض إلى مجموعة تتناول البيض بشكل واضح وملحوظ إي عندما يكون المتناول أكثر من بيضتين بالأسبوع، ومجموعة بالكاد تتناول البيض أو لا تتناول البيض أبدأً إي أقل من بيضتين بالأسبوع، نلاحظ أن نسبة الأطفال اللذين يكونون متقزمين ولا يتناولون مقدار كافي من البيض أسبوعياً 59% (41% منهم يتناولون مقدار كافي من البيض)، وهي تفوق الأطفال غير المتقزمين 46.1% (53.9% يتناولون مقدار كافي من البيض) أي بعبارةٍ أخرى يتناول الأطفال المتقزمين عدد أقل من البيض مما يتناوله غير المتقزمين (P=0.0002).
ويدعم ما سبق حول دراسة تأثير تناول البيض على النمو مقارنة منسب الطول بالنسبة للعمر HAZ (فرق متوسط) وكذلك منسب الوزن بالنسبة للعمر WAZ (فرق متوسط) بين مجموعات تناول البيض في أطفال الدراسة، باستخدام اختبار ANOVA حيث كانت النتائج كما في (الجدولين 5 وَ6)، كما تمّت دراسة علاقات ارتباط بين تناول البيض وHAZ وWAZ باستخدام معامل الارتباط سبيرمان Spearman. فلدى تطبيق اختبار ANOVA كان هناك زيادة يعتد بها إحصائياً لصالح ارتفاع بمتوسط HAZ لدى كل من مجموعة الأطفال اللذين يتناولون ثلاث بيضات أسبوعياً وأكثر من ثلاث بيضات بالأسبوع عن مجموعات الأطفال اللذين كان متناول البيض لديهم غير كافي (أقل من بيضة بالأسبوع- بيضة بالأسبوع) كما هو موضح بـ (الجدول 5) بينما لم يعطي تناول بيضتين اسبوعياً فارق يعتد به إحصائياً بمتوسط HAZ.
عند مقارنة الوزن بالنسبة للعمر WAZ بعد تطبيق ANOVA لم نشاهد زيادة بمتوسط WAZ إلا عندما كان المتناول أكثر من ثلاث بيضة/أسبوع عن مجموعتي التناول غير الكافي (<1، 1 بيضة/أسبوع) (الجدول 6) لم يكن هناك فوراق يعتد بها إحصائياً بين مجموعات تناول البيض على مستوى باقي مناسب النمو سواء الوزن للطول WHZ وَمشعر كتلة الجسم BMI وَمحيط الرأس وMUAC، حيث كانت الدلالة الإحصائية دائماً (P> 0.05). عند دراسة علاقات ارتباط تناول البيض مع مناسب النمو وجدنا ارتباط إيجابي ذو دلالة إحصائية بين HAZ وزيادة تناول البيض (R=0.216, P=0.0004) وبين WAZ وزيادة تناول البيض (R=0.144, P=0.008) ويدعم ذلك اختبار ANOVA حول التأثير الإيجابي لزيادة تناول البيض على النمو متمثلاً بتحسّن الطول والوزن للعمر مع زيادة تناول البيض.
دراسة تأثير تناول البيض على قيم الكولين
تمّ قياس مستويات كل من الكولين والبيتائين لدى 333 طفل حيث لم تكن العينة المسحوبة كافية لدى باقي الأطفال (11 طفل) لإجراء المقايسات، وكانت القيم بدلالة المتوسط ± SD بالنسبة للكولين 11.1±7 μmol/L وقيم البيتائين 74.7±28.1 μmol/L كما يوضح ذلك (الجدول 7)
وكانت القيم الكولين والبيتائين بين مجموعات المتناول الغذائي من البيض كما هي مبينة بـ (الجدول 8) .
لدى اجراء اختبار ANOVA لكل من الكولين والبيتائين، ومقارنة قيم الكولين بالنسبة لتناول البيض بين المجموعات ارتفعت قيم الكولين فقط عند تناول أكثر من ثلاث بيضات أسبوعياً فكانت 13.4 ± 10.3 μmol/L عن باقي الفئات، بينما لم نشاهد أي فرق إحصائي لأقل من ذلك بالنسبة للمتناول من البيض، كما يوضح ذلك (الجدول 9).
عند المقارنة لقيم البيتائين ونسب البيتائين للكولين بالاعتماد على اختبار ANOVA لم نشاهد أي فرق يعتد به إحصائياً مع الاختلاف بالمتناول من البيض، حيث كانت دائماً (P> 0.05). وكذلك الأمر لدى دراسة علاقات ارتباط تناول البيض مع كل من الكولين والبيتائين باستخدام معامل الارتباط Spearman لم نجد أي ارتباط يعتد به إحصائياً حيث كانت دائماً (P> 0.05).
المناقشة Discussion
شملت الدراسة الحالية ذات النمط المقطعي عينة من 344 طفل تراوحت أعمارهم بين 1 – 5 سنة حيث تتميز هذه المرحلة بالنمو السريع، كان من بينهم 110 طفل (32%) لديهم تقزّم، و56 طفل (16%) لديهم انخفاض بالوزن underweight.، يمكن ملاحظة أنَّ نسبة التقزّم (32%) مرتفعة نسبياً وحيث أنّ التقزّم يعبر عن سوء تغذية مزمن، لذا فإنَّ ارتفاع التقزّم يعكس تراجع الظروف الاقتصادية والاجتماعية المتردية في الفترة الأخيرة في سورية وما ينتج عنه من تراجع التغذية.
عند دراسة طبيعة المتناول الغذائي كان التركيز على كمية المتناول من البيض وذلك بتقدير المتناول منه أسبوعياً، كما تمّ مقايسة الواسمات الكيميائية (الكولين – البيتائين).
لاحظنا أنّ زيادة تناول البيض ترافق مع تحسن النمو على مستوى النمو الطولي بارتفاع الطول بالنسبة للعمر HAZ عندما ازداد تناول البيض بمعدّل ثلاث بيضات وأكثر خلال الأسبوع، كما ازداد الوزن للعمر WAZ عندما كان المتناول من البيض أكثر من ثلاث بيضات في الأسبوع أي بشكل شبه يومي، يتفق ذلك مع العديد من الأبحاث السابقة، حيث تؤكد العديد من الدراسات على أهمية البيض كمصدر غذائي غني بالعديد من المغذيات الكبرى macronutrients مثل البروتين والدسم والمغذيات الدقيقة micronutrients مثل فيتامين B12 والكولين والسيلينيوم والفوسفور والكالسيوم. وقد أكدّت ذلك دراسة مشابهة تمت على أطفال في الولايات المتحدة الأمريكية، حيث تحسّن النمو الطولي مع ازدياد تناول البيض كما زاد تناول البيض من العديد من المغذيات لدى الأطفال مثل البروتينات والكولين واللوتين والكزانتين و docosahexaenoic acid (DHA) [11]، كما أكدت ذلك أيضاً تجربةٌ مضبوطة أجريت في الإكوادور تمَّ فيها تزويد أطفال بعمر 6 – 9 أشهر ببيضة واحدة يومياً لمدة ستة أشهر مع مراقبة القياسات البشرية anthropometric measurements حيث تمت المقارنة مع مجموعة شاهدة لم يتم تزويدهم بالبيض، فلوحظ تحسّن النمو الطولي لدى مجموعة تناول البيض [9].
يعزى تحسّن النمو المرافق لزيادة المتناول من البيض إلى غنى البيض بالمغذيات التي تدعم النمو بشكل عام وبشكل خاص النمو الطولي، حيث تدعم هذه المغذيات الحاجة الملّحة لها في عملية البناء الخلوي وخاصة على مستوى صفيحة النمو، وعلى العكس من ذلك في تجربةٍ أخرى أجريت بمالاوي شبيهة بتجربة الإكوادور، لم يحسّن تناول البيض اليومي من النمو الطولي [19] وقد عزي ذلك إلى اختلاف النمط الغذائي السائد في مجتمع العينة، والمعتمد بشكل كبير على التغذية بالأسماك كمصدر غذائي غني بالبروتينات والأحماض الأمينية الداعمة للنمو، وبالتالي لم يقدّم البيض قيمة غذائية إضافية على النمط الغذائي المتبع مسبقاً.
وحيث انّ البيض يعتبر أحد أغنى المصادر الغذائية بالكولين والبيتائين [22] فكان من المتوقع أن يترافق المتناول الزائد من البيض مع ارتفاع مستويات الكولين والبيتائين كما ثبت ذلك في دراسات متعددة [9], [23]، وهذا ما بينته دراستنا حيث ازدادت قيم الكولين مع زيادة تناول البيض، وذلك فقط عندما كان المتناول من البيض أكثر من 3 بيضات/أسبوع، أي فقط كميات شبه يومية من البيض ساهمت برفع قيم الكولين بشكل واضح عن غيره من المجموعات، بينما دون ذلك لم يساهم متناول البيض في زيادة قيم الكولين، يدعم ذلك إلى حدٍ ما أهمية البيض كمصدر غني بالكولين، حيث يعدّ الكولين ضرورياً لتصنيع الفسفولبيدات الغشائية عبر تصنيع فسفاتيديل الكولينPhosphatidylcholine من خلال سبيل Cytidine 5′-diphosphocholine (CDP–choline) pathway، ويعتمد النمو والتطور بشكل كبير على فسفاتيديل الكولين لأنه المكون الرئيسي لأغشية الخلية وخاصة الخلايا الغضروفية المكونة لصفيحة النمو التي يتم بمستواها النمو الطولي [24]، وحيث أنّ المحدد الرئيسي للنمو الطولي على مستوى صفيحة النمو هو التعظم الغضروفي [25]. لذا فإنّ نمو العظام الطويلة للأطراف بالتعظم الغضروفي يتطلب تركيب الفسفاتيديل الكولين بواسطة بانيات العظم والصفيحة الغضروفية [26], [27]. وفي نفس الوقت لم يلاحظ اختلاف بقيم البيتائين بالتوازي مع اختلاف المتناول من البيض، وذلك حتى عند ازدياد تناول البيض ليكون أكثر من 3 بيضات بالأسبوع، ويكمن تفسير ذلك في أنّ البيتائين البلازمي له مصدرين، إمّا مصدر داخلي مشتق من الكولين، ففي الدراسة الحالية لم يؤثر ارتفاع الكولين مع زيادة متناول البيض على زيادة في ارتفاع قيم البيتائين، ويفسّر ذلك بأنَّ الكولين قد سلك سبيل الفوسفاتيديل الكولين الداعم للنمو على حساب سبيل التحوّل الأنزيمي باتجاه البيتائين، أما المصدر الثاني للبيتائين فهو غذائي وهنا لا يعتبر البيض من المصادر الغذائية الغنية بالبيتائين، حيث تعتبر الأغذية النباتية بعكس الكولين غنية بالبيتائين كالحبوب والحمضيات [28].
الاستنتاجات Conclusions
نلاحظ من خلال هذه الدراسة أن تناول البيض كان قد ترافق مع تحسّن في النمو وخاصة النمو الطولي، في حين لم تتحسّن قيم الكولين إلا عند تناول أكثر من ثلاث بيضات/أسبوع.
يمكن اعتبار البيض كمصدر غذائي هام يدعم النمو ويحسّنه، وقد انعكس ذلك بارتفاع التراكيز البلازمية للكولين دون البيتائين عندما كان متناول البيض بشكل شبه يومي تقريباً، ويدعم ذلك اهمية تقديم البيض ضمن سياق غذاء متنوع ومتكامل للأطفال يضمن الحصول على توازن في مختلف المغذيات التي تدعم النمو والتطور السليم.
قائمة الاختصارات List of abbreviations
الاختصار | المقابل في اللغة الإنكليزية | المقابل في اللغة العربية |
AI | Adequate intake | المتناول الكافي |
BMI | Body Mass Index | مشعر كتلة الجسم |
CDP-choline | cytidine-5-diphosphate-choline | سيتيدين ثنائي الفوسفات-كولين |
DHA | docosahexaenoic acid | دوكوساهيكزاينويك حمض |
EDTA | Ethylenediaminetetraacetic acid | ايثيلين ثنائي الأمين رباعي حمض الخل |
GC-MS | Gas chromatography tandem mass spectrometry | الاستشراب الغازي مع مقياس الطيف الكتلي الترادفي |
HAZ | Height-for-age z score | الدرجة المعيارية للطول بالنسبة للعمر |
MUAC | Middle upper arm circumference | محيط أعلى منتصف الذراع |
RCT | Randomized clinical trial | تجربة سريرية عشوائية |
SAM | S-adenosyl Methionine | S- ادينوزيل ميثيونين |
SFPA | Syrian family Planning association | جمعية تنظيم الأسرة السورية |
UPLC | Ultra Performance liquid Chromatography | الاستشراب السائل العالي الأداء |
UPLC-MS | Ultra Performance liquid Chromatography Mass Spectrometry | الاستشراب السائل العالي الأداء المقترن بمقياس طيف الكتلوي |
WAZ | Weight-for-age z score | الدرجة المعيارية للوزن بالنسبة للعمر |
WHZ | Weight-for-height z score | الدرجة المعيارية للوزن بالنسبة للطول |
الموافقة الأخلاقية والموافقة على المشاركة Ethics approval and consent to participate
حاز هذا البحث على الموافقة الأخلاقية من قبل لجنة الأخلاقيات الطبية في جامعة دمشق رقم 10 أ.خ تاريخ 23/7/2019
تضارب المصالح Conflict of interests
يصرح المؤلفون أنه لا يوجد تضارب مصالح، وأنّه لم يتم قبض أي مبلغ أو أي دعم مادي يمس نتائج وجوهر البحث.
التمويل Funding
مُوّل البحث بدعم من جامعة دمشق و مخبر البحث العلمي لمشفى جامعة السارلاند بألمانيا.
مساهمات المؤلفين Authors’ contributions
محمد راضي محمد مرهف عدي: الباحث الرئيسي – كتاب المقالة – إجراء المعايرات – إجراء الإحصائيات – المؤلف المراسل
ريما عبيد: المشرف المشارك – ساهمت في الإعداد العلمي للبحث – المساعدة في إجرا المعايرات الكيميائية الحيوية للبحث- المساعدة بالدعم العلمي
سحر زهير الشمّاع: المشرفة الرئيسية على البحث – التوجيه والدعم العلمي
المراجع :